روائع مختارة | قطوف إيمانية | عقائد وأفكار | الهروب إلى الماضي!!!

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > عقائد وأفكار > الهروب إلى الماضي!!!


  الهروب إلى الماضي!!!
     عدد مرات المشاهدة: 2080        عدد مرات الإرسال: 0

جلس بين يدي والده كما إعتاد أن يفعل كل يوم في نفس الوقت ليستمع إلى نصائح والده والتي دائما ما تتكرر فيها عبارة: إعقل حكمتي يا بني فإنما حياتك أمر عظيم.. فعشها بتدبر وإبداع وإعلم أن إرتقاءك هو قمة نجاحك وسر وجودك.

ينظر إلى عيني أبيه وهو يخبره عن توحيد الله تعالى ويؤكد له أن الشرك لن يكون صنما تمثالا يعبده ولن يأتيه في ثوب الشيطان المرعب الشرير المتوحش، بل سيكون الشرك متشحًا بثوب طاهر براق يوحي بالعفة والنقاء ولكنه يأسر القلب وينحرف به عن توحيد الله تعالى في القصد والهدف.

يقول له والده إن رسوله الكريم إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فالأخلاق الحسنة موجودة أصلا مركوزة أساسا في الفطرة الإنسانية منذ بدأ الخلق من قبل الدين وإرسال الرسل وبعث الأنبياء، وإنما جاء رسوله الكريم ليتمم الأخلاق الحسنة، يتممها أي يتوجها ويرنو بها إلى الغاية السامية الأخلاق الحسنة جميلة رائعة رائقة تسمو بالإنسان ولكن تمامها وكمالها هو أن تكون موصلة إلى باب الجنة كقناة تربط بين الإنسان وربه في كل سكنة وحركة.

أخبره والده عن الصدق مع النفس قبل الصدق معه الأخرين، وأن الكاذب ليس الذي يكذب على الناس وإنما الكاذب الحقيقي هو الذي كذب على نفسه أولا وإستخف بعقله بداية وغش قلبه وروحه وخادع نفسه، ثم إنزلق بعد ذلك وتبعا لذلك في مستنقع الكذب على الآخرين وخداع الناس تحت مسميات براقة وشعارات جميلة ودعاوى لا يمكن مجادلتها فاستمر في الكذب حتى صار الكذب عنوانه ومنهجه وهو يحسب أنه يحسن صنعا.

توالت نصائح والده على أذنيه يوما بعد يوم كان يستمع إلى كلمات والده وهو يجلس على الأرض أمامه في حالة خضوع وهدوء يتلقى هذه النصائح بحالة تسليم كامل وكان يدرك أن كل كلمة تخرج من شفتي أبيه هي أغلى من الذهب وأهم من الدنيا بكل ما فيها أراد أن يحفر كلمات والده في قلبه وأن يحفظها في وجدانه وأن يرسخها في كيانه كله.

تمر السنوات ويموت الأب بعد أن كبر الفتى وخرج منطلقا في الحياة يبحث عن الرزق يبحث عن الوجود يبحث عن تحقيق الذات يريد أن يعيش الدنيا كإنسان يتزوج وينجب ويعمل، وتحقق له ما أراد حقق نجاحات في حياته وحصل إحتياجات ضرورية تلزمه لبقائه وبنى الأسرة التي يتمنى وأصبح له مال وأولاد وواقع في الحياة.

أصبح الرجل الذي كان فتى أصبح يرى الدنيا ويعيشها ويريد أن يعبرها بسلام، لم ينس كلمات والده ونصائح أبيه يحاول دائما أن يتذكر هذه النصائح عندما تواجهه أحداث الحياة وإبتلاءاتها وإختباراتها يعتصر ذهنه ويبحث في ذاكرته عن الرصيد المهم الغالي المتمثل في كلمات أبيه ونصائحه، ويحاول أن يواجه كل مشكلة بترديد إحدى نصائح الأب، يريد أن يبحث عن تحقيق أي نجاح في حياته وهو يردد بلسانه واحدة من قواعد أبيه التي حفرت في قلبه ووجدانه.

يشعر بغربة عجيبة فإنه عندما يتذكر كلمات والده ويردد نصائحه بلسانه أو يحاول أن يطبقها كما كان يطبقها في طفولته في إطار واقع حياته بينما كان طفلاً، فيباغت بشيء عجيب وهو أن ترديد نصائح والده لا يجدي ولا يفيد ولا يحقق له أي إنجاز على الأرض، فعندما تواجهه الأزمة ويتذكر نصيحة من نصائح والده ويرددها بكل قوته لا تحل الأزمة على الإطلاق، عندما يسعى ويتطلع إلى تحقيق أمر مهم متجد في حياته أصبح في أمس الحاجة إليه ويريد أن يحققه بنصيحة من نصائح والده فيتذكر النصيحة ويرددها بكل خضوع بكل حب ولكنه يجد ويالحسرته أن هذه النصيحة لا يكفي ترديدها في إشباع هذه الحاجة الطارئة أو مواجهة الواقع الجديد.

قرر أن يعود إلى منزل أبيه لعله يجد الإجابة، ذهب بالفعل إلى المنزل وجلس في نفس الموضع الذي كان يجلس فيه أمام أبيه، إرتدى نفس الثوب الذي كان يرتديه أبوه وهو يلقنه هذه النصائح الغالية، بل إنه أغلق النافذة بنفس الأسلوب ووضع نفس المشروب الذي كان يتناوله والده أثناء جلسته معه، حاول أن يعزل نفسه عن الدنيا كلها عن الواقع وقرر أن يجلس نفس الجلسة ويعيش نفس الجو ويتقمص نفس الحالة ويستحضر نصائح والده وسالت دموعه حارقة على خديه من تأثره من كلمات والده التي يحفظها عن ظهر قلب، يدرك أن هذه النصائح هي سر الحياة وهي النجاة وهي الأمل وهي الحكمة الكاملة، دموعه تحرق قلبه قبل أن تحرق خديه، يكاد أن يجن لماذا لا يستطيع أن ينقل هذه النصائح المهمة والكلمات الغالية إلى واقع حياته فيستفيد منها إستفادة فعلية ويجني ثمرتها بشكل فعال ملموس؟

إنه عاد بجسده وروحه ووجدانه إلى نفس الجو نفس المناخ نفس الحالة التي عاشها عندما لقنه والده هذه النصائح المهمة، لقد ظن أن إستحضار هذه المرحلة من حياته عندما تلقى هذه الكلمات سيكون كفيلا بأن تطبق هذه النصائح في واقع حياته فتحل مشكلاته وتشبع إحتياجاته وتريح قلبه وتحسن واقعه، فإكتشف أنه بالعودة إلى منزل أبيه ومعايشة هذا الواقع السابق هذه الذكريات لم يزدد الا عزلة عن واقع حياته اليوم والا بعدا عن رؤية مشكلاته بل وتخلى عن مسئولياته تجاه أسرته وأبنائه وعمله ومجال تفوقه ونجاه في الحياة، هو يشعر بالغربة فهو يريد أن يتمسك بنصائح والده يريد أن يطبقها لكنه لا يعرف من وسيلة لتطبيقها في أرض الواقع سوى العودة إلى ارتداء ثوب والده والجلوس على الأرض في نفس الموضع بمنزل والده ويردد هذه النصائح بلسانه وقلبه في حالة خضوع كامل.

ما السر إذن إن النصائح صحيحة وحقيقية وغالية ومهمة، وها هو يعود إلى أجوائها الأولى التي قيلت فيها فلماذا لا يستطيع أن يحل مشكلاته ويرتقي في حياته ويتقدم نحو مستقبله الذي يتوافق مع تطور الحياة نفسه؟

في لحظة معينة تذكر مقولة قالها والده يوما من الأيام.. لقد أخبره أبوه في أحد الأيام أن هذه النصائح ليس الهدف منها ترديدها أو حفظها ولكن الهدف منها أن تطبق في واقع الحياة تطبيقا يتسم بالذكاء يتسم بالمرونة يستم بالإبداع، هذه النصائح الغالية الثمينة المهمة جاءت ليعيش بها الابن واقع حياته هو وليس واقع حياة أبيه الذي إنتهى ومر عليه الزمن، بل إن إصرار القلب على أن يطبق النصائح المهمة في سياق حياة مضت وإنتهت هو قمة الظلم لهذه النصائح لأنه إختزال لمضمونها وإمتهان لقدرتها وفعاليتها، فهل عجز الابن عن الإنتقال بنصائح أبيه إلى واقع حياته هو يجعلها نبراسا هاديا ينطلق على أساسه لمعالجة مشكلات حياته وواقع يومه الجديد ومستقبله؟ إن حب الابن لأبيه وتقديسه لنصائح والده كان يستلزم منه أن ينتقل بهذه النصائح في واقع حياته يبذل الجهد الكافي لكي يعرف كيف يستفيد من هذه النصائح إستفادة عملية تطبيقية.

الكاتب: أحمد عباس.

المصدر: موقع رسالة المراة.